فصل: كتاب القسمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه أهل المدينة المالكي ***


كتاب الغصب

باب القول في الغاصب ووجه تضمينه ما غصبه مما يوجد بعينه زائدا أو ناقصا عنده أو لا يوجد

 الغاصب وأن كان في الظلم كالسارق فإنه لا قطع عليه ولا على المختلس كما أنه لا قطع على الخائن وأن كان ظالما وهذه أصول قد تعبدنا الله بها وعلينا التسليم لامره وعلى من عرف بالغصب العقوبة والمبالغة في أدبه على قدر ما يعرف من ظلمه وتعديه مع أخذ الحق منه صاغرا لأهله ويؤخذ منه ان وجد بعينه فيرد إلى ربه وان ذهب وتلف عنده فالمغصوبات إذا تلفت عند مالك على وجهين أحدهما يجب رد مثله في صفته ومبلغه والآخر فيه قيمته يوم غصبه لا يوم تلفه عنده ولاأكثر القيمتين وذلك في الوجهين جميعا إذا عدم عين الشيء المغصوب‏.‏

فأما إذا وجد فصاحبه أولى به على كل حال زاد أو نقص حالت سوقه أو لم تحل لأنه ملكه وماله وليس على الغاصب ضمان ما نقصت السوق الشيء المغصوب حيوانا كان أو غيره إذا وجده بعينه فإن نقصه عيب دخله وفساد عرض له فله حكم ياتي ذكره بعد إن شاء الله تعالى وان وجده بعينه قد نقصت قيمته عما كانت عليه يوم الغصب لعيب حدث به عند الغاصب وأراد أخذه وأخذ ما نقصه العيب فليس ذلك له وهو مخير بين أخذه ولا أرش له فيما حدث به ونقصه وبين تركه وأخذ قيمته يوم غصبه والأعيان التي يجب رد مثلها عند فقدها كل مكيل أو موزون أو معدود من الطعام كله والأدام وكذلك الذهب والفضة مضروبا كان أو مسبوكا وكذلك كل مكيل أو موزون من غير الطعام كالنوى والعصفر والحديد والرصاص والقطن وما شاكل ذلك كله ولا يؤخذ منه في شيء من هذا كله قيمته إلا أن يوجد مثله فإن لم يوجد مثله انصرف الى قيمته يوم غصبه وفي الموزون مما لا يؤكل ولا يشرب اختلاف من قول مالك وأصحابه وتحصيل مذهبه ما ذكرت لك ومن غصب شيئا يقضى فيه بالمثل وكان غصبه له في وقت يوجد مثله ولم يخاصم فيه المغصوب منه ولا استحقه حتى خرج ابانه وعدم مثله فهو بالخيار بين أن ينتظر وجود مثله فيأخذه وبين أن يضمن الغاصب قيمته يوم غصبه‏.‏

وأما العروض كلها سوى ما تقدم وصفه فعلى مغتصب شيء منها إن أفسده افسادا يسيرا رد ما نقصه الافساد وأن أفسده افسادا يذهب جل منافعه أو جماله أو استهلاكه بأسره فهو ضامن لقيمته كاملة يوم اغتصبه لا ينظر إلى زيادة السلعة في نفسها ولا في سوقها وإنما له قيمتها يوم غصبت إذا فاتت لا أقل ولا أكثر عند مالك وأصحابه فإذا ضمنها كانت له دون ربها بما أدى وسواء كان الفساد كثيرا أو قليلا كان بفعله او بغير فعله كالعبد تذهب عينه أو الدابة تعجف أو تعطب فربها في ذلك مخير بين أخذها على ما وجدها عليه وبين أخذ قيمتها يوم اغتصبت وليس له أخذها وأخذ ما نقصها الفساد وهذا هو المشهور من مذهب مالك وقال بعض أصحابه وهو محمد بن مسلمة انه إذا افسد الغاصب ما اغتصب افسادا كثيرا كرجل ذبح لرجل بعيرا فربه مخير بين أخذه لحما وما نقصه الذبح وبين تضمينه الغاصب قيمته حيا وإذا أفسده افسادا يسيرا رده وما نقصه دون تخيير وقال بهذا جماعة من اهل العلم أيضا فإن أتلف السلعة متلف في يد الغاصب فعليه قيمتها يوم أتلفها وتكون القيمة لربها إلا ان تكون أقل من ثمنها يوم غصبت فيكون على الغاصب تمام ذلك ان شاء ربها وان شاء ضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب وكانت قيمتها للغاصب على المتلف وليس على الغاصب إلا قيمة ما تلف عنده من الأشياء كلها يوم غصبها سواء أتلفها هو أو تلفت من السماء الا أن يجدها ربها بحالها لم تتغير عند الغاصب بحال فإن كان ذلك فليس له غيرها‏.‏

ولو كان المغصوب عبدا فأعتقه الغاصب رد عتقه ولو مات العبد بيد الغاصب أو قتل عمدا فقتل أو جنى جناية فأقيد بها فتلفت نفسه ضمن الغاصب في هذا كله قيمته يوم غصبه لا يوم هلك فيه العبد ولو قتل العبد عند الغاصب قاتل كان سيده بالخيار بين تضمين الغاصب قيمته يوم غصبه فإن أخذ من الغاصب قيمته يوم غصبه كان للغاصب على القاتل قيمته يوم قتله ولو قتله الغاصب فلسيده قيمته يوم غصبه إن شاء وان شاء يوم قتله الخيار في ذلك إليه ولو كانت أمة فغصبها ووطئها حد فإن أحبلها كان ولدها لسيدها رقيقا وكان عليه ما نقصها الوطء ان كانت بكرا فإن مات من ولدها أحد لم يكن على الغاصب فيه شيء ولو ملك الغاصب منهم أحدا لم يثبت نسبه منه أبدا لأنه زان فإن ماتت الأمة وبقي ولدها وأراد المغصوب منه أخذ الولد وقيمة أمهم لم يكن له ذلك عند مالك وإنما له أخذ ما وجد من الولد دون قيمة أمهم أو قيمة أمهم دونهم ويكونون للغاصب إذا أعطى قيمة أمهم ولو زوجها الغاصب فأولدها الزوج ثم استحقها ربها فسخ نكاحها وثبت نسب ولدها من زوجها وكانوا رقيقا مع أمهم لسيدهم وغرم الزوج صداق مثلها لسيدها ورجع على الغاصب بما أخذ منه من صداقها‏.‏

ولو تزوجها على أنها حرة كان ولدها أحرارا وكان عليه قيمتهم للسيد مع صداق المثل ولو غصب نخلا صغارا فكبر او صبيا فشب أو دابة عجفاء فسمنت كان لرب ذلك أخذه كما وجده ولا شيء عليه من نفقة ولا مؤنة ولا غذاء ولو غصبت نخل او كرم فأثمرت وأطعم الكرم أو دارا فسكنها الغاصب أو عبدا فاغتله أو غنما فاحتلبها أو حزها فعليه قيمة ما اغتل من ذلك كله أو مثله أن كان له مثل وإن كانت دابة فركبها أو عبدا فاستخدمه لم يكن عليه قيمة الركوب ولا قيمة الخدمة فإن أخد للدابة كراء وللعبد أجرة رد ذلك كله معهما ومن غصب دارا أو حيوانا أو غير ذلك فاستغله فعليه رد غلته على ربه واختلف قول مالك في غاصب الدار يسكنها والأرض يزرعها فقال مرة ليس عليه في سكناها ولا في زراعتها كراء وقال بذلك جماعة من أصحابه وقال مرة أخرى عليه كراء ما سكن وما زرع كما لو اكراها وقبض الكراء وقال به بعض أصحابه وهو القياس وبه آخذ وتحصيل مذهبه ان من غصب سكنى دار فسكنها لزمه كراؤها ولو غصب رقبتها لم يلزمه كراؤها إذا لم يسكنها ولم يأخذ لها كراء فإن كان الغاصب بعد انتفاعه بخراج العبد واجارة الدواب وبخراج الأرض وثمار الشجر ولبن الغنم وصوفها قد هلكت عنده أصول ذلك فعليه قيمة الأصول والثمار التي باع بها ما باع من الفروع وقيم ما أكل واتنفع به منها إلا ما قدمت لك عن مالك في الاستخدام العبد وركوب الدواب وقد قال ابن القاسم انه ليس له أخذ الغلات إذا اخذ قيمة الامهات عند الفوات قياسا على قول مالك في أخذ الولد عند فقد الأم أو أخذ قيمة الأم دون الولد ليس له غير ذلك عنده والصحيح ما قدمت لك وعليه جمهور أهل المدينة وغيرها من اصحاب مالك وغيرهم‏.‏

باب جامع الحكم فيما يحدثه الغاصب

 من غصب حليا من فضة واستهلكه رجع عليه ربه بقيمته مصوغا من الذهب والاشياء كلها حاشى الفضة وكذلك ان كان الحلي ذهبا رجع عليه بقيمته مصوغا من الفضة والاشياء كلها حاشى الذهب وان كان الغاصب معسرا يوم حكم عليه بقيمة ذلك اتبع به دينا ولا يدخل في ذلك النظرة في الصرف الا ترى انه يأخذ قيمة الذهب فضة وقيمة الفضة ذهبا بعد طول الزمان للغصب ولو أفسد الغاصب الحلي بكسر أو هشم غير مفسد ضمن قيمة ما نقصه فعله مما شاء من الذهب والفضة والعروض كلها معجلا أو مؤجلا وسواء كان الحلي في المسألة ذهبا أو فضة ولو كانت دنانير أو دراهم فاذهب الغاصب نقوشها لم يجز لربها أن يأخذها ويأخذ قيمتها التي نقصها الحدث وإنما له دنانير مثل دنانيره او دراهم مثل دراهمه ولو غصب دنانير أو دراهم فخلطها بمثلها لم يكن ربها له شريكا وكان عليه لربها أن يأتيه بمثل عيون دنانيره أو دراهمه في وزنها ومن غصب خشبة فبنى عليها أو دعم بها أو بنى حولها او خرقة فرقع ثوبه بها كان لربها أخذها وان أضر ذلك بالغاصب في هدم بنائه وخرق ثوبه الا أن يشاء ربها أخذ قيمتها يوم الغصب فيكون ذلك له وكذلك حكمه لو وجد عند المشتري ذلك من الغاصب بخلاف ما تقدم وقد قيل ان هذا حكم من أدخل الخشبة في بنائه وكان نزعها لا يضر بالباني في هدم بنائه‏.‏

وأما إذا كان نزع الخشبة يهدم البنيان وكان لذلك مال فليس لربها إلا أخذ قيمتها يوم الغصب فإن أراد الغاصب رد الخشبة بعينها وهدم بنيانها كان ذلك له ولم يكن لرب الخشبة اخذه بالقيمة فلو عمل من الخشبة أبوابا أو غصب ترابا فعمل منها طوبا أو طينا وبنى به كان لمستحق ذلك قيمته يوم الغصب لا غير لما دخله من التغيير وقال عبدالملك لربها أخذها وليس شق الخشبة وقطعها فوتا لها ومن غصب غزلا فنسجه ثوبا فعليه قيمة الغزل لربه وقد قيل عليه رد مثله ولو غصب جلدا فقطعه نعالا أو خفافا ضمن قيمته ومن غصب حنطة فزرعها لزمه رد مثلها والزرع له دون ربها ومن غصب بيضة فحضنها فأفرخت فعليه بيضة مثلها والفرخ له وقد قيل إن الفرخ لرب البيضة وعليه لرب الدجاجة كراء مثلها ان كان لذلك كراء ولو غصب فضة فضربها دراهم كان عليه وزن ما اغتصب منها ولو غصب دراهم او دنانير فوجدها ربها بعينها وأراد أخذها فأبى الغاصب أن يردها وأراد أن يرد مثلها كان ذلك له عند ابن القاسم وخالفه أشهب وغيره فقال لصاحبها أن يأخذ دراهمه أو دنانيره بعينها ولو غصب ثوبا فخاطه بعد قطعه لم يكن لربه الا قيمته يوم غصبه ولو غصب براحا وبناه كان له ولربه قلع بنيانه الا ان يختار ان يعطيه قيمة بنيانه منقوضا مقلوعا وقيمة غرسه إن كان غرسه ولا شيء للغاصب فيما لا منفعة له فيه من تحصيص او تزوي ولا يعطى لشيء من ذلك قيمة هذا مخالف لما ينفقه الغاصب على الدواب والرقيق لأن هذا يمكن أخذه وذلك مستهلك وهو أتلفه عن نفسه ولما لم يكن على المستخدم للعبيد وراكب الدواب أجرة‏.‏

فكذلك ليس له قيمة مؤنة ولا نفقة وان كان بنيانه كله مثل التزويق والطلي بالجص فلا شي له فيه لانه لو أخذه لم ينتفع به ولو زرع الغاصب الأرض كان لربها قلع زرعها إن كان في أوان الزراعة وان فات وقت الانتفاع بالأرض للزراعة كان لربها كراء مثلها لا غير ويعاقب الغاصب قال ابن عبد الحكم وقيل ان له قلع الزرع في كلتا الحالتين وقال والأول أحب الينا وقال طائفة من أهل المدينة يعطيه مكيلة بذره ونفقته في الزراعة ويأخذ الزرع ومن استعار عبدا في عمل يعمله بغير اذن سيده فعطبه لزمه ضمانه وان سلم كان لسيده عليه أجرة مثله ان ابتغاه ومن غصب ثوبا فلبسه ضمن ما نقصه لبسه وان ابلاه اللباس فربه بالخيار بين أخذه وما نقصه اللباس وبين تركه وأخذ قيمته كلها وقد قيل ليس له الا ما نقصه لبسه فقط وقيل انه يغرم له كراء الثوب ومدة لباسه لأنه لا يوقف على مقدار ما ينقصه اللباس ومن غصب ثوبا فصبغه صبغا ينقص كان لربه أخذه ناقصا أو تركه وأخذ قيمته يوم غصبه فإن كان صبغ يزيده في ثمنه كان ربه مخيرا بين أن يدفع الى الغاصب ما زاد في ثمنه وبين تركه وأخذ قيمته فإن أبى ربه أن يأخذه ويعطي زيادة الصبغ وأبى الغاصب أن يعطي قيمته بيع الثوب ودفع الى ربه قيمته غير مصبوغ من ثمنه وكان الفضل لغاصبه في صبغه‏.‏

باب استحقاق الغصوب بيد من لم يغصبها

 فلو باع الغاصب ما غصب ووجده ربه بيد المبتاع بحاله لم يدخله تغيير لم يكن له أخذ قيمته من الغاصب وإنما له أحد وجهين اما أن يأخذه بعينه ويرجع المبتاع على الغاصب بثمنه‏.‏

وأما أن يجيز بيع الغاصب ويأخذ منه الثمن فإن وجده بيد المبتاع قد حال وتغير كان مخيرا ثلاث خيارات بين أخذه كما هو وبين إجازة البيع وأخذ الثمن وبين أخذ قيمته من الغاصب يوم غصبه فإن اغتل المبتاع شيئا مما ابتاعه من الغاصب فرضي رب الغلات والمنافع فهي له بالضمان فلو كانت أمة فباعها الغاصب وأعتقها المبتاع واختار ربها أخذها كان ذلك له وردت رقيقا فإن كان المبتاع قد وطئها فأحبلها ثم استحقها ربها بيده كان له ثلاث خيارات ان شاء أخذها وأخذ قيمة ولدها من مشتريها يوم الحكم لا يوم سقطوا وإن شاء تركها في يده وأخذ قيمتها من الغاصب يوم غصبها وان شاء أجاز البيع وأخذ الثمن من الغاصب هذا كله تحصيل مذهب مالك وقد قال مالك ليس لربها إذا وجدها بيد مبتاع أولدها الا أخذ قيمتها وقيمة ولدها ولا يأخذها وبهذا قال محمد بن مسلمة وقد روي عن مالك فيها أنه ليس له الا أخذ قيمتها يوم غصبها وتطيب هي وولدها لمبتاعها إذا أخذ ربها قيمتها يوم غصبها ولو استحقت الجارية بيد المبتاع وقد حدث بها عيب من غير جناية كان ربها أيضا مخيرا بين أن يأخذها كما هي أو يجيز البيع ويأخذ ثمنها أو يتركها ويرجع على الغاصب بقيمتها يوم غصبها وإذا لم يكن لربها أن يأخذ من الغاصب ما نقصها العيب الحادث عنده إذا كان من غير فعله فأحرى أن لا يكون له ذلك على المشتري بموت أو غيره مما ليس فيه عمل ولا سبب انقطعت تباعة ربها عنه ورجع على غاصبها بما شاء من أخذ الثمن أو قيمتها يوم الغصب ولو كان عبدا فقتله المشتري أو دابة فعقرها أو ثوبا فلبسه وأبلاه أو طعاما فأكله ثم استحقه ربه رجع على المشتري بقيمته يوم استهلكه ورجع المشتري على البائع منه بما أخذ منه من الثمن فإن كان ما أخذه من المشتري دون قيمته يوم غصبه رجع بفضل ذلك على الغاصب‏.‏

باب جامع الغصوب

 ومن غصب حرا نفسه فاستخدمه فعليه أجرة مثله وكذلك هو إن اغتصب خدمة عبد أو صنعة يده وهو مقر بالرقبة لسيده كان عليه أجرة مثله وكذلك إن غصب دارا فسكنها وهو مقر بالرقبة لربها كان عليه كراؤها فإن انهدمت من غير فعله لم يكن عليه شيء الا كراء ما سكن ولو هدمها ضمنها ومن اكترى دابة أو دارا أو أرضا أو سفينة فغصب ذلك منه سلطان أو من لا يستطيع أن يستعري عليه فالمصيبة من ربه وإن كان ممن ينفذ عليه حكم ولم يطالبه فالمصيبة منه دون ربه ومن استهلك كلب صيد أو ماشية أو سائر الجوارح التي يصاد بها وينتفع كان عليه قيمتها وكذلك من قتل ام ولد كان عليه قيمتها على تلك الحال ولو استهلك زرعا لم يبد صلاحه كان عليه قيمته على الرجاء والخوف وما اختلف فيه الغاصب والمغصوب منه في جنس الشيء المغصوب منه او مبلغ كيله أو وزنه أو صفته فالبينة في ذلك كله على ربه والا حلف الغاصب على ما ذكره ولو حلف الغاصب على صفة فضمن قيمتها ورد ما اخذ وكذلك ان صح انه غطاه ليغرم قيمته ويحول بين ربه وبينه وان كان بخلاف هذين الشرطين فهي للغاصب ولربها ما قبض من ثمنها أو قيمتها‏.‏

باب حكم ما أفسدت المواشي وصول الفحل

 ما أفسدت المواشي بالليل من الزرع والكروم والثمار وسائر الحرث والغراسات فضمان ذلك كله إذا أفسدته ليلا كان على اربابها وما أفسدت بالنهار فلا ضمان عليهم فيه وسواء أرسلها أربابها بالنهار للرعي أو انفلتت فأفسدت زرعا أو غيره لا ضمان على صاحبها في شيء من ذلك إلا ان يكون معها فإن كان معها وهو يقدر على منعها فلم يفعل فهو ضامن‏.‏

وأما الليل فسواء انفلتت أو أرسلت مع القدرة على منعها فإن على صاحبها في ذلك ضمان ما أفسدت وأتلفت وعلى أرباب الزرع حفظها نهارا وسواء كان الزرع محظرا عليه أو مكشوفا عنه يضمن أرباب المواشي قيمة كل ما أفسدت على الرجاء والخوف عليه فإن انفلتت الدابة بالليل فوطئت رجل رجل لم يضمن ربها شيئا وإنما هذا في الزرع والحرث لا غير ذكر ذلك ابن عبد الحكم وغيره عن مالك وهو تحصيل مذهبه وقد قيل ان كل ما أفسدت البهائم بالليل فضمانه على أربابها من الأموال دون الدماء وقد روي ذلك عن مالك وغيره من أهل المدينة فإن كان مع الدابة راكب أو سائق أو قائد ضمن ما كان من سببه لا ما كان منها خاصة وسنزيد هذا المعنى بيانا في كتاب الجنايات ان شاء الله ولو صال جمل على رجل فخشيه على نفسه يقينا فقتله لم يضمن لربه شيئا وان لم يبين ما ذكره ضمن الجمل فإن تقدم الى رب الجمل الصائل والكلب العقور والدابة الضارية المعتادة للانفلاتات على الزرع نهي فلم ينته ضمن ما كان من ذلك في ليل او نهار بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

كتاب الشفعة

باب ما فيه الشفعة وما لا شفعة فيه

 لا شفعة فيما قد قسم وحدت فيه الحدود وهذا ينفي الشفعة للجار قريبا كان أو بعيدا وإنما الشفعة في المشاع من العقار كله الدور والأرضين والحوانيت والبساتين والجنات والكروم وكل ما يصلح فيه القسم ويضرب فيه الحدود من الرباع والحوائط والأرض كلها وما اتصل بها مما يثبت أصلا فيها واختلف عن مالك في الشفعة في الحمامات وفيما لا يحتمل القسمة أو يحتملها هي ضرر أحد المتقاسمين من صغار الحوانيت والدور والبيوت وسائر الرباع والأشهر عن مالك ايجابه الشفعة في الحمام وفي ذلك كله وهو الصحيح على أصله لأنه لم يختلف قوله في وجوب قسمة ذلك كله صغيرا كان أو كبيرا كان في قسمة ذلك ضرر على أحد المتقاسمين أو لم يكن وقال بقول مالك في ذلك طائفة من أصحابه وطائفة منهم تأبى ذلك وهو مذهب ابن القاسم وعلى مذهب ابن القاسم في ابايته من قسمة ما يدخله الضرر على أحدهما لا يجب في ذلك شفعة لأنه يبطل الحمام بقسمته فلا يكون حماما وقوله في النخلة بين الرجلين ببيع أحدهما حصته منها انه لا شفعة فيها لأنها لا تنقسم وأكثر أصحاب مالك يرون الشفعة في ذلك ويدخل في الأصول التي ذكرنا عيون الماء المبيعة مع الأرض والبئر كذلك ولا شفعة في بئر مفردة ولا طريق ولا فحل نخل ولا مسيل ماء فإن كانت البئر لها أرض تزرع مشاعة فالشفعة فيها إذا بيعت مع الأرض وكذلك لو بيعت مع السواد الذي يسقى مع بساتينها ولو باع حصته من الأرض ثم باع حصته بعد من البئر لم يكن فيها لشركائه شفعة وكذلك لو اقتسموا الأرض والنخل ثم باع أحدهم حصته من البئر لم يكن لشركائه شفعة‏.‏

وروى يحيى عن ابن القاسم عن مالك أنه قال الشفعة في الماء التي يقتسمها الورثة بالاقلاد وأن لم يكونوا شركاء في الأرضين التي تسقى بتلك العيون قال مالك وأهل كل قلد يتشافعون فيما بينهم دون فجماعة الورثة كالدور والأرضين سواء وفحل النخل لا شفعة فيه في المشهور من مذهب مالك وقال طائفة من أصحابه فيه الشفعة ومثل فحل النخل الفرصة يتركها أهلها للارتفاق والاستطراق فلا شفعة فيها إلا على ما ذكرت لك ولا شفعة في طريق‏.‏

وأما الرحا فقد اختلف قول مالك وأصحابه في الشفعة فيها ففي قياس قول مالك فيها الشفعة لأنه يوجب الشفعة فيما لا ينقسم من الدور والأرضين وسائر الأصول والعقار الا فحل النخل والطريق وما يرتفق به ويستطرق من العراض وفي المدونة عن ابن القاسم لا شفعة في الرحا وسواء بيعت مع أرض مشتركة أو وحدها قال ولو كان فيها شفعة إذا بيعت مع أرض لكان فيها شفعة إذا بيعت وحدها لأن ما لا شفعة فيه لا يكون فيه الشفعة إذا بيع مع ما فيه الشفعة وقال أشهب وسحنون إذا بيعت الرحا مع الأرض فللشريك الشفعة في جميع ذلك كله كما في رقيق الحائط يباع بعضه وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم لا شفعة فيها إذا لم يكن لها من الأرض شيء وكانت سدا وحجارة في النهر لا غير‏.‏

وأما البيت الذي فيه الرحا والجدران والسقف والأرض ففي ذلك كله الشفعة وروى أبو زيد عن ابن القاسم في رجل باع بيتا فيه رحى فأراد الشفيع أن يأخذ ذلك بالشفعة فإنه يقوم البيت وتقوم الرحا باداتها فيفض الثمن عليها فما صار على البيت بالقيمة من الثمن أخذه به الشفيع ان شاء قال وذلك بمنزلة ما لو اشترى شقصا من دار أو دابة سواء وانما لم تجب الشفعة في الرحا لأنه لا يصلح فيها القسم ولان قسمتها ضرر وابطال لها فإن كان عدة أرحاء وصار لأقلهم سهم منها رحا على حدة كانت فيه الشفعة وليس في مطاحن الأرحاء أعني الحجارة شفعة وإنما الشفعة عند من رأى ذلك من أصحاب مالك في القاعة والبيت والسدود وقال ابن دينار لا شفعة في الرحا على حال من الأحوال إلا أن تباع حولها أرض مشتركة وتباع الرحا معها فتدخل مع الأرض في الشفعة‏.‏

وأما هي وحدها فلا شفعة فيها ولا شفعة في شيء من الحيوان والعروض كلها من الثياب والسفن وما أشبهها وكذلك الجواهر كلها والعين والدين وقد قال بعض أصحاب مالك ورواه أيضا عنه ان الشفعة في الدين يكون على الإنسان فيبيعه من أجنبي ان الذي عليه الدين أحق به وهذا ليس من باب الشفعة وإنما هو من باب نفي الضرر والمكاتب على هذا القول وهذه الرواية عن مالك هو أحق بما بيع من نجومه من مبتاعها والصواب عند النظر انه لا شفعة الا فيما تضرب فيه الحدود عند القسمة واختلف أيضا في الشفعة في الكراء قول مالك وأصحابه فمنهم من نفى ذلك ولم يوجب فيه شفعة ومنهم من أوجبها وقال ابن القاسم عن مالك في الأرض تكون بين الشريكين فيكري أحدهما حصته منها للزرع ان شريكه أحق بها من المكتري والصحيح عندي أنه لا شفعة في ذلك وقد روى ذلك أهل المدينة عن مالك وقوله في الموطأ ما لا يصلح فيه القسم فلا شفعة فيه إنما الشفعة فيما ينقسم ويحد من الأرضين فيشهد لما قلنا قال مالك لا شفعة في بقل ولا في زرع ولا في تمر قد جذ وحصد في الأرض‏.‏

وأما الشفعة في التمر المعلق قبل جذاذه إذا كان بين شركاء مالكين لا صلة بابتياع أو مساقاة أو غير ذلك من أنواع الشركة في الثمرة فيبيع أحد الشركاء حصته خاصة منها فلكل من شركه فيها الشفعة على قدر حصته هذا هو المشهور من قول مالك وهو تحصيل مذهبه وقد نفت طائفة من أصحابه وجماعة من أهل المدينة الشفعة في ذلك لأنه ليس بأصل‏.‏

باب من له الشفعة ومن هو أولى بها

 لا شفعة إلا لشريك في مشاع من الأصول وأما الجار قرب أو بعد حاذى أو لم يحاذ فلا شفعة له ولا لصاحب علو على سفل ولا لصاحب سفل على علو ولا لمالك موضع خشب في حائطه والشفعة لكل شريك صغيرا كان أو كبيرا ذكرا أو انثى مسلما أو ذميا وهي بين المسلم والذمي كهي بين المسلمين وكذلك المستحق عليه الشفعة تلزمه حاضرا كان أو غائبا كبيرا أو طفلا أو بأي وجه عوض عن الشقص وملك به من بيع أو اجارة أو صداق أو هبة لثواب أو دية جرح أو قيمة متلف أو نحو ذلك من العوض فالشفعة فيه واما من ملك شقصا بغير عوض كالميراث والصدقة والوصية والهبة لغير ثواب فلا شفعة للشريك في شيء من ذلك فإن أثيب الواهب بعد ذلك لم يكن فيه شفعة لأنه في ابتدائه لم يكن على ثواب ومن تزوج امرأة بسهم من دار أو عقار ففيه الشفعة بالقيمة لا بمهر المثل ولو صالح عن دم عمد على شقص من دار فالشفعة فيه بقيمة السهم ولو كان الصلح من دم خطأ كانت الشفعة فيه بالدية ولا تجب الشفعة إلا بعد تمام صفقة المشتري ولا يضره لو أذن للمشتري في الشراء أولا وأسقط عنه الشفعة إذا كان ذلك قبل الشراء وسواء أشهد عليه المشتري أو لم يشهد وكذلك شهادته في البيع لا تسقط شفعته فإن ساوم الشفيع والمشتري في ذلك الشقص بعد تمام البيع سقطت شفعته وكذلك لو ساومه في كراء ذلك الشقص منه سقطت شفعته‏.‏

وروي ذلك أيضا عن مالك ولو أسقط عنه الشفعة بعد تمام البيع وسقوط الخيار ولو باع نصف دار له بيع خيار ثم باع النصف الاخر بيعا بتلا كان لصاحب البيع البتل الشفعة ان كان الخيار للمبتاع واختار تمام البيع وان كان الخيار للبائع فاختار رد البيع فلا شفعة في ذلك وإذا وجبت الشفعة بتمام الشراء للمشتري فلا يسقطها عن الشفيع تحبيس المشتري لها ولا تصدقه بها ولا هبته ولا اسكانه ولا وصيته بها ولا اقالته منها ويأخذ الشفيع ذلك كله بالثمن ويبطل كل ما فعله المشتري من ذلك كله الا أنه يلزم المشتري فعله لأنه مالك ملكا صحيحا إن أبى الشفيع من الشفعة فإن باعها المشتري قبل قيام الشفيع كان الشفيع مخيرا في أخذها بأي صفقتين شاء والشفعة تجب بالبيع التام وتستحق وتملك باداء الثمن وأهل الغرض المسمى في الميراث إذا باع أحدهم حصته مما فيه الشفعة أولى بالشفعة فيه من العصبة وأن باع أحد العصبة نصيبه فشركاؤه بالتعصيب وذو الفروض المسماة كلهم سواء في الشفعة يدخل أهل الفرض على العصبة ولا تدخل العصبة على ذي السهم مع من شركه في السهم وقد قيل لا يدخل هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء وقيل يدخل كل واحد منهم على صاحبه لأن العلة الشركة والإشاعة وكل مذهب مدني مالكي والأول هو تحصيل مذهب مالك مثال ذلك رجل تخلف ابنتيه وعصبة وتخلف ربعا فو باع بعض العصبة حصته دخلت الابنتان مع سائر العصبة‏.‏

وان باعت احدى الابنتين كانت اختها أحق بالشفعة ولا يدخل معها فيها أحد من العصبة وكذلك لو كانوا اخوة ومات أحدهم وتخلف بنين فباع أحد البنين لم يشفع أعمامهم معهم وكانوا أحق بشفعتهم ولو كان أخوة لعلات فباع أحد الأشقاء دخل معهم الأخوة للأب في الشفعة لأن الأب يجمعهم وإذا تصدق رجل أو أوصى بشقص من دار لنفر فباع أحد أولئك النفر نصيبه مما تصدق به عليه أو أوصى له به دخل ورثة الموصي في الشفعة أن أحبوا مع شركاء البائع ولا يدخل أحد من أولئك النفر على الورثة فيما يتشافعون فيه وإذا كانت دار بين رجلين فتصدق أحدهما بحصته منها أو حبسها وباع شريكه بعد ذلك نصيبه فلا شفعة للمتصدق عليه ولا للمحبس عليه إلا أن يشاء المحبس أو المتصدق أن يستشفع حصة شريكه على أن يلحق ذلك بالحبس أو الصدقة والا فلا شفعة له وإذا بيع السهم الذي فيه الشفعة مرارا فللشفيع أن يأخذ بأي الصفقات شاء فإن أخذه بالصفقة الأخيرة صحت الصفقات التي قبلها وان أخذه بالصفقة الأولى بطلت الصفقات التي بعدها اتفقت الأثمان أو اختلفت والاختيار إليه في العهدة والثمن وان أخذه بصفقة وسطا صح ما قبلها من الصفقات وبطل ما بعدها والشركاء في الربع وان كثروا إذا باع أحدهم حصته يشفع جميعهم أن شاؤا والشفعة بينهم على قدر حصصهم من الملك فإن طلب واحد منهم الشفعة وتركها الباقون وأراد أخذ مقدار حصته من الشفعة لم يكن ذلك له الا برضى المشتري وللمشتري أن يجبره على أخذ الكل أو الترك لأنه لا تفريق عليه في صفقته‏.‏

وإذا كانت دار بين رجلين أحدهما غائب فباع الحاضر حصته ثم باع الغائب حصته من بعد بيع الحاضر فان استشفع الغائب بشقص الحاضر كان ذلك له لأن الشفعة وجبت له يوم باع شريكه الحاضر حصته ولا يضره أن يكون ذلك بعد بيعه لحصته لأنه استحق الشفعة قبل ذلك في حين بيع الحاضر لنصيبه فإن شفع صارت الدار بين الغائب الذي باع حصته في مغيبه وبين مشتري حصة الغائب ولا يكون للحاضر ولا لمن اشترى منه شفعته فيما باع الغائب إذا شفع الغائب كما ذكرنا وقال ابن القاسم وطائفة معه من أصحاب مالك الغائب والحاضر في ذلك سواء والعالم بالبيع وغير العالم سواء وليس بيعه حظه بالذي يبطل شفعة قد وجبت له ولو أن أربعة نفر كان بينهم ربع فغاب أحدهم وباع الباقون حصصهم من الربع من رجل واحد في ثلاث صفقات صفقة بعد صفقة لكل واحد منهم فقدم الغائب فقام بالشفعة فله أن يأخذ أي صفقة شاء من الثلاث صفقات فإن أخذ الأولى فهي له خاصة ولا شفعة للمشتري فيها لأنه لا يملك قبل ما يستحق به شفعة وان أخذ الصفقة الثانية أو الثالثة وأبقى الأولى فقد صار المشتري له شريكا فيما استشفع من يريد لملكه للصفقة الأولى بشراء ومن باع سهما من دوره شركة صفقة واحدة وشفيعها واحد وأراد أن يأخذ بعض ذلك دون بعض فليس له ذلك إلا أن يأخذ الجميع أو يتركه ولو كان للسهم المبيع شفعا غيره عدة فترك بعضهم الأخذ بالشفعة لم يكن لمن أراد أن يأخذ بالشفعة إلا أن يأخذ الجميع أو يتركه وكذلك الحاضر إذا كان شريكه في الشفعة غائبا يأخذ الكل فإن قدم الغائب أخذ منه حصته وشفعة الغائب ثابتة لا يقطعها طول غيبته وشفعة الصغير ثابتة حتى يحتلم‏.‏

باب أمد الشفعة لمن يراها

 أمد شفعة المقيم سنة ويتلوم له شيئا نحو الشهر وما قرب منه وهو المشهور من المذهب فإن قام بعد شهور من السنة أو عند رأس السنة فقد اختلف قول مالك في وجوب اليمين عليه فروي عنه أنه لا يمين عليه إذا كان قيامه في هذا الأمد‏.‏

وروي عنه أنه لا بد من أن يحلف انه ما كان سكوته عن طلب الشفعة مع علمه بها تركا منه لها وكذلك يشفع وسواء كان قريبا أو بعيدا ولو بعد جمعة ونحوها وقد روي عن ابن القاسم وغيره أيضا عنه في الحاضر يمكنه الأخذ بالشفعة والقيام بها ولا عذر له فيتركها وهو عالم بمبلغ الثمن أنه لا شفعة له إذا ترك المطالبة بها وقال بهذا القول جماعة من أهل المدينة وقد روي عن مالك أيضا أنه لو قام بعد خمسة أعوام حلف أنه لم يكن سكوته تركا للشفعة ثم يكون له الشفعة‏.‏

وروي عنه الحاضر والغائب سواء لا تنقطع شفعة واحد منهما الا أن يسقطها أو يظهر منه ما يدل على اسقاطها وروي عنه أن السنة والسنتين والثلاث إلى الخمس ليست بطول ولا يمنع الشفيع لذلك شفعته الا أن يبني المبتاع في ذلك فيكون قطعا للشفعة أو يرفعه إلى السلطان فيأخذ أو يترك‏.‏

باب جامع القول في الشفعة والعمل فيها

 الوصي يشفع لمن يلي من الأطفال والأكابر السفهاء وإذا استشفع السفيه أو الصغير في صغره شفع إذا بان حسن نظره لأنه مصلح في فعله ولو صالح من دم عمد على شقص من دار فالشفعة فيه بقيمة السهم ولو كان الصلح من دم خطأ كانت الشفعة فيه بالدية مكروهة ومن باع شقصا له من أرض ومع الشخص عرض عبدا أو ثوبا أو جوهرا أو دابة صفقة واحدة وقام الشفيع كان له أن يأخذ فيه الشفعة بحصته من الثمن وتفسير ذلك أن يفض الثمن على الشقص وعلى ما وقعت عليه الصفقة معه من العروض فما أصاب الشقص غرمه للشفيع وليس عليه أخذ العرض مع الشقص ومن اشترى سهما من عقار فيه شفعة بعوض أو حيوان فللشفيع أخذه بقيمة العرض والحيوان فإن كان العرض مكيلا أو موزونا أخذه بمثله ومن باع شقصا بدراهم وعرض وقام الشفيع فيه أخذه بقيمة العرض ومثل الدراهم الدنانير عينا أو وزنا فإن فات العرض كان القول في صفته قول المشتري مع يمينه ان لم تكن للشفيع بينه على الصفقة وتقوم على تلك الصفقة فإن نكل المشتري عن اليمين على الصفة كان القول قول الشفيع مع يمينه في ذلك فإن نكل عن اليمين استشفع بقيمة الشقص نقدا يوم وجبت الصفقة للمشتري لا يوم استشفع ولو عقد المشتري في الشقص بثمن ثم جاء البائع لقبضه فأعطاه فيه عرضا وقام الشفيع لم يلتفت إلى ما أخذه البائع وشفع أن أحب بالثمن الذي وقعت عليه الصفقة ومن ابتاع شقصا من دار أو حانوت فباع منه نقضا أو أبوابا أو نحو ذلك وقام الشفيع فض الثمن على الدار وعلى ما باع منها وحط منه مقدار ما باعه المشتري ولم يكن للشريك فيما باع شيء‏.‏

وإذا فات بالبيع فإن أدركه قبل أن يباع أخذه من الدار وهذه سبيل كل ما كان من هذا المعنى ومن هذا رجل اشترى أصول شجر فيها ثمرة لم يبد صلاحها ثم قام فيها شفيع وقد بدا صلاحها فلا شفعة له في الثمرة ويفض الثمن على الحصة من الأصول وعلى الثمرة التي لم يبد صلاحها فما أصاب الأصول من ذلك غرمه الشفيع وأخذ شفعته ولا حظ له في الثمرة وحط عنه مقدار قيمتها وكذلك سائر الأصول ومن اشترى شجرا لا ثمر فيه ثم أثمر قبل قيام الشفيع وقام الشفيع والثمرة في رؤوس الشجر فهي له وعليه مع الثمن قيمة ما سقاها المشتري ان كان سقيا هذا ما لم يبد صلاحها فإن لم يقم بشفعته حتى بدا صلاحها فلا شيء له من الثمرة وما استغله المشتري من ضروب الغلات قبل قيام الشفيع فهي له دون الشفيع ولا يسقط عن الشفيع لذلك شيء من الثمن ولو كان في الحائط والجنان المبيع منه النصيب دواب أو رقيق أو آلة وقام الشفيع يريد أخذ حصته من الحائط خاصة دون الرقيق والدواب والآلة لم يكن له إلا أن يرضى بذلك المشتري فيكون بمنزلة بيع حادث ومن اشترى نصيبا تجب فيه الشفعة بدين وأراد الشفيع أخذ الشفعة بمثل الثمن نقدا كان له ذلك وان أراد أخذها للأجل وكان مليا ثقة حكم له بها والا فلا إلا أن يأتي بحميل ملي ثقة وينظر الشفيع بالثمن اليوم واليومين والثلاثة كثر المال أو قل فإن جاء بالمال والا قضي عليه ببطلان الشفعة وقد قيل ينظر ويمهل على قدر كثرة المال وقلته والاول أشهر عنه وللمشتري أن يرفع الشفيع إلى الحاكم فيأمره بالأخذ أو بالترك فإن أبى الأخذ أو الترك حكم عليه الحاكم بسقوط الشفعة والشفعة موروثة عمن تجب له ولا يجوز بيعها ولا هبتها لمن يقوم بها ممن لا شركة له في الأصل ومن لا ملك له في رقبة الاصل فلا شفعة له وإنما وردت السنة بالقضاء بها للشريك ان أحبها فإما أخذها لنفسه وإما تركها وليس لزوج المرأة أن يجبرها على أخذ الشفعة ولا يجوز لمن ليست له شفعة أن يطالب بها لغيره ومن صالح عن انكار شقص مشاع لم يكن فيه شفعة ولو كان على اقرار شفع فيه ولا بأس أن يصالحه على بعض ما اشترى بقسطه من الثمن ولو جهل ثمن الشقص المبيع فذلك على وجهين ان كان لطول الزمان فالشفعة منقطعة وان لم يكن كذلك ولكن كانت المدة قريبة فللشفيع أخذ الشقص بقيمته هذا قوله في الموطأ وهو تحصيل مذهبه‏.‏

وقد روي عنه أنه ان جهل ثمن الشقص حلف المشتري أنه ما يعرفه ولقد نسيه وما غيب ثم تبطل الشفعة للجهل بالثمن والقول الاول عليه العمل والعهدة في الشفعة للشفيع على المشتري دون البائع وعليه تنصرف وإياه يطالب في الاستحقاق والعيوب لا البائع وسواء أخذ بالشفعة قبل القبض أو بعده فإن ولاها المشتري او أشرك فيها فعهدته على من شاء منها واختلف قول مالك في الذي تكون العهدة عليه في الاقالة فمرة قال العهدة على المشتري والاقالة باطلة ومرة قال إنه بالخيار فإن شاء كتبها على البائع وان شاء على المبتاع وما بنى المشتري أو غرس أو عمر فعلى الشفيع أن يعطيه جميع نفقته من الثمن أن أراد الشفعة ومن أشترى أرضا فزرعها وجاء الشفيع فعليه الثمن وله مثل كراء الارض على الزرع ولا شيء له في الزرع وهذا ان شفع في وقت تمكنه الزراعة فيه لو أرادها‏.‏

فأما إن كان وقت الزراعة قد فات فلا شيء له من كراء الارض وعليه الثمن ومن ادعى شفعة في سهم ذكر ان شريكه باعه وأقر البائع بذلك وأنكر المشتري ولم تقم بينة بالشراء وحلف المشتري أنه ما اشترى فليس للشريك الطالب شفعة باقرار البائع ولو أقر المشتري بشراء شقص فيه شفعة وطلبها الشفيع والبائع غائب ولا بينة للمشتري بالشراء لم يقض على المشتري بالشفعة للشفيع باقراره ولو قدم رب الدار فأنكر البيع كان له الكراء ولو قضى الشفيع على المشتري بالشفعة فسكن الدار لم يكن على الشفيع كراء لأنه سكن بشبهة والشفعة ثابتة في مال الميت كما هي ثابتة في مال الحي والشفعة بالثمن دون القيمة فإذا وقع البيع بعرض قوم العرض لأنه الثمن ولم يقوم الشقص الا في النكاح فإنه يقوم الشقص إذا وقع النكاح عليه لأن الاغلب في النكاح المكارمة دون المكايسة فكأنها ضرورة الى تقويم الشقص وتفسير قوله الشفعة بين الشركاء على قدر حصصهم من الملك أن تكون دار بين ثلاثة رجال لاحدهم نصفها وللثاني ثلثها وللثالث سدسها فيبيع صاحب النصف فيكون لصاحب السدس ثلث حصته بالشفعة ولصاحب الثلث ثلثاها وعلى هذا العمل في كل ما كان مثل ذلك وبالله التوفيق بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله‏.‏

كتاب القسمة

باب قسمة الارضين والرباع

 القسمة على ضربين لا ثالث لهما القرعة والتراضي فالقرعة لا تكون إلا فيما جمعه الصنف وتقارب ولم يتباعد وصح فيه الاعتدال بتعديل من يعرف ذلك والتراضي أن يتراضوا على أن يأخذ الواحد الشيء والآخر خلافه كالبيع وهذا إنما يصح من المالكين الجائزي الأمر‏.‏

وأما المكيل والموزون فلا يحتاج الى قرعة والعمل عند مالك في قسمة الارض والكروم والرباع والجنات والدور إذا أراد أربابها قسمتها أن ينظر فإن كانت متجاورة أو قريبا بعضها من بعض وكانت متساوية في الجودة والرداءة جمع حق كل ذي سهم في موضع منها وأن كانت يبعد بعضها من بعض قسم لكل انسان بحظه في موضع منها ولا يجمع حقه كله في موضع واحد إذا كانت كذلك وسواء كانت متساوية القيم أم متباينة إذا كانت متباعدة بعضها من بعض وكانت مواضعها متباينة في الزهد والرغبة وان تقاربت الدور في الرغبة فيها والزيادة لتشابه أماكنها جاز أن يضم بعضها الى بعض في القيمة واذا اختلفت الارض فكان منها ما يسقى بناضح ومنها ما يسقى بعين ومنها ما يكون بعلا قسم كل حائط منها على حدته وان كان أمرها واحدا وتقاربت أماكنها وكانت الرغبة فيها والزهادة سواء ضم بعضها الى بعض في القسمة ولم يلتفت الى من كره ذلك منهم وللحاكم النظر في ذلك وهذا كله قسمة القرعة والاعتدال ولا قرعة في مكيل ولا موزون واما قسمة التراضي والتخاير فيقسمون كيف شاؤا تفاوتت المقسومات أو تقاربت وتقسم الدور وغيرها من سائر المقسومات على سهم أو أسهم ما لم يكن أهل فرض مع عصبة او أهل فرض مع غيرهم فإن خرج السهم الذي لصاحب السهم الكبير ضم اليه مما يليه حتى يستوي حقه فإن خرج لمن له ذلك القدر من الشركاء أخذه وأقرع بين الباقين حتى يستوفوا حقوقهم فإن كان أهل فرض أو عصبة مثل الأخوة للأم والزوجات ونحوهم مع العصبية فأراد أحد الأخوة أو الزوجات أو أحد العصبة أن يقسم له بحصته خاصة دون إخوته فليس ذلك له ولكن يقسم له وخوته ولإخوته في موضع واحد الثلث للإخوة والثمن للزوجات واذا اختلف المتقاسمان في القرعة فأراد أحدهما أن يقرع على جهة وأراد غيره جهة سواها أقرع بين الجهتين فأيهما خرجت قرعتها أسهم عليها فإن كان المقسوم جنانا مختلفة الغرس أو كانت أرضا أو قطع كرم أو جنات تزيد قيم بعضها على بعض قومت كل قطعة وعرف فضل قيمتها على الاخرى ثم أقرع بينها بعد ذلك‏.‏

ولا تجوز القرعة الا بعد التساوي في القيم فإن اختلفت القيم عدلت بعرض من غيرها أو بدراهم ومن كان له موروث بعد موروث أو نصيب بعد نصيب شراء أو غيره جمعت له حصصه كلها في موضع واحد ولم يكن له ان يأبى عن ذلك ولا لشركائه أن يمنعوه من ذلك ولو أراد ذو السهم أو ذو السهمين أخذ حقه في موضعين لم يكن له ذلك وجمع حقه في موضع واحد وإذا كانت الدار مختلفة البيوت قسمت بالقيمة وعدلت وضرب عليها بالسهام إلا أن يتخاير أربابها واذا عدلوا بيوت الدار وعلوها وسفلها بالقيم واقتسموها بالسهمان على القيم رد كل من لحقه فضل على شركائه ما يجب لكل واحد منهم وإذا اختلفت اجناس المقسوم لم يجز اقتسامه بالقرعة حتى يكون أرضا كلها أو دورا كلها أو عبيدا كلهم أو ثيابا كلها ولا يجوز أن يقرع في عبد ودار واذا خرج السهم لزم صاحبه ولم يكن له ان يأبى من قبوله واذا قسم بنيان الدار وتركت عرصتها ليرتفق بها إلا أن تكون العرصة متى اقتسمت صار لكل فريق منهم حظ ينتفع به منها فتجوز حينئذ قسمتها أو يفتح كل ذي سهم في نصيبه بابا الى موضع العرصة فيجوز اقتسامها على هذا ايضا فإذا قسمت الدور وتركت العرصة ترفقا ثم أرادوا قسمتها قد اختلفت قول مالك في ذلك فمرة قال لهم ذلك ومرة قال لا يقسم ويترك مرفقا لجماعتهم‏.‏

وروى ابن وهب عن مالك تلخيص ذلك قال إذا كانت الدار ذات البيوت اقتسمت وتركت عرصتها ثم ارادوا بعد ذلك قسمتها فإن كانت البيوت لا حجر لها كان لهم قسمة العرصة ليتخذوا منها حجرا على بيوتهم وان كانت البيوت المقتسمة لها حجر ليستر بها وتلك العرصة مناخ ابلهم ومرفقهم فتلك لا تقسم ولا يجمع القاسم حصص رجلين أو ثلاثة في سهم واحد الا برضاهم ولكن يقسم لكل واحد حقه على حدة وكل من طلب القسمة من الشركاء في دار أو أرض كان له ذلك فإن أبى شركاؤه اجبروا على القسمه حتى يأخذ كل واحد حقه وسواء طلب القسمة واحد أو أكثر فإن كان الربع صغيرا لا يحتمل قسمه ولا يحصل لاحدهم ما ينتفع به فقد أجاز مالك قسمته لمن دعا الى ذلك ويقسم البيت والحانوت والحمام والدار وان لم يكن لبعضهم الا ما لا ينتفع به لم يختلف في ذلك قول مالك وقال بقوله طائفة من أصحابه بالمدينة منهم ابن كنانة فخالفه في ذلك أكثر أصحابه على ما يأتي في الباب بعد هذا ان شاء الله فإن كانت الشركة في ثوب واحد او سفينة او دابة أو عبد أو غير ذلك مما لا ينقسم ولم يتراضوا بالانتفاع به على الاشاعة وأراد احدهم البيع وأبى الآخر أجبر الذي ابى البيع على البيع وقيل له أما بعت‏.‏

وأما أخذت انصباء شركائك بما تبلغ من الثمن فإن امتنع من هذا وأبى اجبر على البيع حتى يحصل الثمن فيتقاسما فإن كانت جماعة رقيق أو ثياب اقتسمت بالقرعة والقيمة اذا كانت تحتمل القسمة على سهم اقلهم وكل مالا يجبر على قسمة فلا يجوز أن يسهم عليه وما يجبر على قسمة فلا بأس بالاسهام عليه قال ابن القاسم لو كان المقسوم دار مجتمعة ليس لها الا باب واحد فوقع الباب في القسمة في حظ أحد الشركاء كان لسائرهم الدخول والخروج منه شرطوا ذلك أم لم يشترطوه فإن اشترط بعضهم أن لا ممر له بالباب نظر فإن كان لمن يشترط ذلك فناء ينفذ فيه بابا جاز اشتراطه وإلا كان شرطه باطلا ولو صار في نصيب احدهم علو لم يجز اشتراط صاحب السفل طريقا له عليه إلا اذا لم يجد طريقا غيره ولو اقتسم أهل الحجر الداخلة فأرادوا فتح ابواب في منازلهم لم يكن لك لهم لأنهم إنما يملكون الممر دون ما سواه ولو أراد رب الحجرة الخارجة تحويل بابها الى موضع هو ابعد لم يجز ذلك له إلا أن يكون موضعا قريبا لا ضرر فيه على مستطرقه وإذا كان في الحائط فحل نخل أو فحول تركت ليؤبروا بها نخلهم وإن لم يقتسموها ويكونون فيها على انصبائهم وكذلك البئر وإذا اقتسم قوما أرضا لها شرب فالشرب بينهم على قدر حصصهم من الارض الا ان يتقدم لاحدهم فيه فضل واذا اقتسموا دارا في زقاق غير نافذ لم يكن لاحدهم أن يفتح بابا حيال باب صاحبه بغير رضاه لأن القسمة وقعت على ارتفاع كل واحد منهم بما يقابل بابه وان كانت سكة نافذة جاز ذلك لمن أراد منهم ويجعل الطريق عند القسمة مما يدخله الحمولة ولا يضيق بأهله وليس في ذلك حد عند مالك‏.‏

باب جامع القسمة

 ولا بأس بقسم الغائبات على الصفات ويقسم الحاكم على الغائب اذا طالت غيبته وعلى الصغير الذي لا وصي له ولا ينتظر قدوم الغائب ولا يكتب اليه وليس كل من يكتب اليه يأتي ويقسم الحاكم عليه كما يقسم على الصغير ولا بأس بقسمة الوصي على الصغير إذا كان له في القسمة حظ ونظر ولا تجوز قسمة على بالغ الا بإذنه ومن جهل ميراثه لم يجز أن يقسم عليه وتجوز قسم البالغين الذي يلون انفسهم لما ارادوا قسمته على التراضي بينهم من غير قرعة ان شاؤا ويقسم البيت الصغير والحمام أذا دعا احد الشركاء فيه الى القسمة وسواء صار له أو لصاحبه من ذلك ما فيه منفعة أولا هذا قول مالك وخالفه في ذلك أكثر أصحابه وقد احتج مالك في ذلك بظاهر كتاب الله عز وجل مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا النساء وخالفه ابن القاسم وغيره فقال لا يقسم بينهم الا ما ينتفع به كل واحد وإلا بيع عليهم واقتسموا ثمنه والحجة عندي لمذهب ابن القاسم ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا تعضية لأهل الميراث الا ما حمل القسم ذكره ابن وهب قال اخبرني ابن جريج عن صدقة بن موسى عن محمد بن ابي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفسره أبو عبيدة وغيره بأن الشيء إذا لم يحتمل القسم لم يقسم ولم يفرق عن حاله ويترك ميراثا على وجهه أو يباع ويقسم ثمنه ومن الحجة ايضا في ذلك ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وما لا ينتفع به عند القسمة فالقسمة فيه ضرر وقال بعض أصحاب مالك ان دعا صاحب النصيب الكبير الى القسمة لم يجب إذا خالفه صاحب النصيب الذي لا منفعة له فيه وان دعا صاحب القليل الى القسمة جازت قسمته وما كان مثل الدابة والعبد والسفينة وما لا يمكن قسمته بين الشريكين أجبروا على التقاوم أو على البيع وصاحبه أولى به بأقصى ما يبلغ في النداء ان أراده ويقسم أصول الشجر التي فيها الثمر بالقيم ويترك ثمرها حتى يجذ فيقسمونه كيلا من كل صنف على حدته لا يجوز غير ذلك ولا يجعل الرديء أكثر كيلا من الجيد لأنه بيع ولا تجوز قسمة شيء من الثمار في رؤوس الشجر غير النخل والعنب لأنهما فيها الخرص‏.‏

وقد عرف خرصه هذا أصل قول مالك وتحصيل مذهبه وبه أقول وقد روي عنه وعن طائفة من أصحابه إن عرف وجه الخرص في سائر الثمار واحتاج اهلها الى قسمتها واختلف أغراضهم فيها فكان بعضهم يريد الاكل ويريد بعضهم التزبيب وبعضهم البيع جازت القسمة بينهم بالخرص والتحري وان لم تختلف أغراضهم فلا تجوز قسمتها الا كيلا أو وزنا في الارض والقول الاول أصح في قياس الاصول ولم يتخلفوا ان قسمة البقول لا تجوز لما يلحقها من الجوائح فيؤل ذلك الى بيع بعضها ببعض متفاضلا ولا تجوز قسمة الزرع أخضرا ولا يابسا حزما ولا مدروسا حتى يصفى ويقسم حبا بالكيل ولا يقسم جزافا ولا بظرف يتسع أحيانا كالقفة والغرارة وإنما ينقسم بمثل القصعة والجفنة والقلة والمد وأجازه بعض أصحاب مالك وزنا إذا كان حبا مرفوعا في بقعة واحدة قال ابن القاسم ويجوز اقتسام الزرع قبل بدو صلاحه على التجري إذا أريد قطعه لوقته فإن أخر أحدهما حصته فسدت القسمة بينهما وكان على الذي حصد نصف قيمه ما حصد لشريكه وله الرجوع بنصف ما أبقى شريكه وإذا انهدم بيت بين رجلين فلم يبن أحدهما قاسم او باع وما كان من الدواب والعبيد فالتقويم فيها والقسمة على القيمة اة لى‏.‏

وأما ما يصعب تقويمه مثل الغنم والثياب وشبهها مما يدق أمرها ويكثر فإنه يضم بعضه الى بعض التعديل ويقوم ويستهم عليه وتقسم المائعات كلها بما جرت به العادة في بيعها في البلدان من الظروف والاكيال اذا علم أن ذلك لا يشف بعضه على بعض والقسمة بيع من البيوع وقد مضى في أحكام البيوع ما هو أصل هذا الباب ومن ادعى غلطا في قسمة التعديل والقرعة لم تنقض له القسمة وسئل البينة على ما ادعاه فإن أتى ببينة حكم به له بها ورجع ما شهدت به في ذلك وعادت الاشاعة فيه ولا بأس باستئجار القاسم وتطيب له اجرته إذا اجتهد وتصح بمبلغ جهده وأجرته على عدد الرؤوس على قدر الانصباء لأن تعبه في اخراج السهم الصغير كتعبه في اخراج الكثير هذا تحصيل مذهب مالك‏.‏

وروي عنه وعن طائفة من أصحابه أن الاجرة في ذلك على قدر الانصباء وفي باب جامع القضاء في الدعوى في كتاب الاقضية حكم قسمة الورثة ديونهم عند الغرماء وفي كتاب الشهادات حكم شهادة القسام وقال مالك في رجل كانت عنده وديعة لقوم أمره القاضي بدفعها اليهم وان يكتب بينهم وبينه وثيقة بذلك ان الاجرة عليه وعليهم لكاتب الوثيقة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم‏.‏

كتاب الصلح

 الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا ويجوز الصلح عند مالك بين المتطلبين على الاقرار وعلى الانكار إذا كان طوعا من كل واحد منهما لا يدخله اكراه والصلح كالبيع فما جاز في البيع جاز في الصلح وما امتنع في البيع امتنع في الصلح واذا كان بين الشريكين دراهم ودنانير وفلوس وعروض فيتصالحا على دنانير يعطيها احدهما صاحبه عن نصيبه في ذلك كله لم يجز الا ان يكون ليس فيما بين أيديهما من الدنانير غير ما أعطاه وتكون الدراهم أقل من صرف دينار ولم يكن بينهما دين والا لم يجز ولا بأس أن يصالح الرجل غريمه من ذهب له عليه على ورق يأخذها منه ومن ورق على ذهب اذا كان دينه حالا وأخذ منه العوض في الوقت قبل أن يفارقه ولا يجوز أن يصالح على دعوى الذهب بورق آجلة وعلى دعوى الورق بذهب آجلة وان طالبه بدنانير جاز ان يصالحه منها على دنانير وكذلك من الدراهم على الدراهم لأن من حط وأخذ فقد أحسن وليس ههنا بيع ولا صرف ولو كان عليه مثقال ذرة وعشرون درهما أو زائدا من الدراهم جاز أن يصالحه من ذلك على دنانير لانه أخذ ديناره وأخذ دينارا آخر مكان الدراهم وترك الفضل فإن أخر الدينارين أو احدهما لم يجز ومن استهلك لرجل درهما مضروبا جاز له أن يصالحه على وزنه فضة غير مضروبة اذا كانت في الجودة مثل فضة درهمه فإن كانت أجود أو دون لم يجز ولو كان الدرهم غير مضروب لم تبال كانت الفضة اجود او ادنى لانه تبر بتبر وزنا بوزن ولو مات رجل وتخلف دنانير او دراهم وعروضا وديونا وصالحت امرأته سائر ورثته على دنانير يدفعونها اليها لم يكن بذلك بأس اذا كانت الدنانير من مال الميت فإن كانت أموالهم لم يجز الصلح بينهم إلا ان يكون مقدار حصتها منها وقد قيل ان كانت الدنانير او الدراهم التي صالحها الوارث عليها من غير التركة لم يجز قلت أو كثرت وإن كانت من التركة نظر فإن كانت قدر مورثها او أقل جاز وان كانت أكبر لم يجز فإن أرادوا عقد الصلح معها احتاجوا ان يذكوا جميع ما يجب لها من تركة الميت ثم يبتاعون جميع حقها من التركة بعروض لا دنانير فيها ولا دراهم وتكون العروض مخالفة للعروض التي على الغرماء ان كانت الديون عروضا وان كانت للميت ديون فصالحها الورثة على دنانير يدفعونها اليها ويأخذون الدين لأنفسهم لم يكن ذلك جائزا الا ان يكون جميع التركة دنانير دينا فجعل لها من ذلك حظها منها في مثل السكة والعين ولو ان لرجل على رجل كذا من طعام وعشرة دراهم فصالحه من ذلك على احد عشر درهما جاز ذلك ان كان الطعام قرضا وان كان بيعا لم يجز ولا يجوز لمن له طعام من بيع او سلم على رجل ان يصالحه من طعام على دراهم يؤخرها او يعجلها لأن ذلك بيع الطعام قبل يستوفي ولو كان لرجل على رجل دين لم يجز لانه يكون دينا بدين فإن صالحه من الدين على شيء حال جاز‏.‏

وكذلك لو صالحه من مال حال على دين جاز ولو شرط لغريمه أنه إن جاءه بدينه لوقت يسميه أخذ منه بعضه وحط عنه سائره وإلا فالدين بحاله كان شرطا جائزا ومن باب بالدين لرجل ان يصالح من دينه على ثياب موصوفة في الذمة أو على أنه بالخيار في الثياب يوما أو أياما او على سكنى دار أو خدمة عبد او ثمرة لم تجذ أو زرع لم يحصد كل هذا لا يجوز ان يصالح فيه على دين أو من دين وأجاز أشهب من هذا الباب كل ما شرط في قبضه سكنى دار او غيرها أو جذاذ ثمرة بعد بدو صلاحها وإن لم يقبض جميعه ومن ابتاع سلعة فظهر منها على عيب جاز ان يصالح عنه بما شاء ولو كانت السلعة عبدا آخر جاز ومن كان له على رجل مال حال فصالحه على اسقاط بعضه واخذ بعضه او تأخير بعضه جاز ولو كان آجلا فصالحه على تعجيل بعضه وإسقاط بعضه او على اسقاط بعضه وتأخير بعضه لم يجز فإن كان اسقاط وتأخير الى اجل بعينه جاز ولا يجوز أن يصالحه من مائة آجلة على خمسين عاجلة لأنه وضع تعجيل وكذلك لو تكفل رجل عن رجل بألف درهم فأعطاه منها قبل محل الأجل دون الأف لم يجز لأنه وضع وتعجيل ولو كان محل الاجل جاز ورجع على من ضمن عنه بما أعطى‏.‏

وكذلك لو صالحه على سلعة رجع بقيمة السلعة الا ان تكون قيمتها أكثر من الالف فلا يكون له على كفيل اكثر منه ولا بأس ان يصالح الرجل على ابنته البكر في ميراثها من زوجها اذا لم يكن الميراث عينا ناضة فإن كان عينا ناضة لم يجز أن يصالحه على بعضها ومن ادعى حقا في دار أو أرض في يد رجل فصالحه منه فإن جهلاه جميعا جاز ذلك وان عرفه المدعي وحده لم يجز حتى يسميه وقد قيل انه لا يجوز شيء من ذلك كما لا يجوز في البيوع الا ان يصالحه على فداء يمينه في تلك الدعوى وجائز التأخير في قيم العروض المستهلكات كلها في الصلح ولا تجوز النظرة ان يصالح عن العروض بعرض مثله في صفته ولو غصبه عبدا فأبق من الغاضب فللمغضوب ان يصالحه منه على دنانير او دراهم معجلة او مؤجلة أو عرض معجل ومن حط عن رجل بعض حقه وأبقى بعضه عليه صلحا ثم اراد الرجوع فيما وضع عنه وأسقطه لم يكن ذلك ويلزمه ما فعل‏.‏

كتاب الاستحقاق

معنى الاستحقاق أن يقضي للرجل ببينة بالشيء يدعيه في يد غيره بعد ان يحلف انه ما باع الشيء ولا وكل على بيعه ولا وهبه ولا تصدق به وان ملكه ثابت عليه الى وقته ذلك واذا حلف مع بينته التي شهدت له بملكه رجع الذي استحق على من باعه منه او على من شركه في ميراثه فقاسمه وان وهب له لم يرجع على الواهب بشيء وان كان اخذه من دين كان له رجع بدينه ومن ابتاع شيئا فاستحق من يده رجع على البائع منه بالثمن لا بقيمه الشيء المستحق ومن استحق من يد امرأة شيئا اخذته في صداقها رجعت بقيمته ولم ترجع بصداق المثل وكذلك لو كان المستحق عن فدان كان بين الزوجين أو استحق بدلا من شفعة والاستحقاق فيما اقتسم بمنزلة العيب يوجد في السلعة قليلا كان او كثيرا ومن باع عرضا بعرض وتقابضا ثم استحق احد العرضين بيد احدهما كان له الرجوع في عرضه الذي دفعه يأخذه ان وجده وإلا رجع بمثله ان كان له مثل وكان مكيلا او موزونا والا رجع بقيمة العرض المستحق كالرد بالعيب سواء وهذا الحكم كله فيما ابتعته بعينه من طعام أو غيره وسائر العروض كلها‏.‏

وأما في المضمون فإنه يرجع بمثله في صفته والفوت في العرض الذي يكال أو يوزن أن لا يوجد أو يتغير عينه ويحول سوقه وليس حوالة الاسواق فيما يكال او يوزن فوتا ومن ابتاع طعاما بعينه على الكيل فهلك قبل الكيل بطل البيع فيه فإن هلك بعضه بطل البيع فيما هلك وصح فيما بقي ان كان الباقي جل الصفقة وان كان اقلها لم يلزم ذلك المشتري الا ان يشاء التماسك به بحصته من الثمن وما استحق من دار مبيع فإن كان كثيرا وهو الثلث فما فوقه كان للمشتري رد جميعا وان كان دون الثلث رد ما يخص المستحق خاصة وقال اشهب هذا في كبار الدور التي لايضر مبتاعها ما استحق منها ان كان جزء صغيرا‏.‏

فأما صغارها وما لاتصلح فيه القسمة فله رد الجميع وما استحق من عبد مبيع او ثوب يسيرا كان او كثيرا كان المبتاع مخيرا في النظرين إن شاء رد الجميع ورجع بالثمن كله وإن شاء رد المستحق منه خاصة ورجع بحصته من الثمن ومن اكترى دارا فاستحق جزء منها كان ذلك كالشراء ان كانت الشهور كلها سواء واذا نكحت امرأة على ارض او أمة أو دار أو عبد بعينه فاستحق شيء من ذلك رجعت بقيمته بخلاف البيع فإن استحق بعض ذلك فإن كان من الارض النصف او شيء له بال ردت الجميع كالبيوع واخذت قيمته وان كان يسيرا رجعت بحصته من قيمته وكذلك العروض المنقسمه كلها‏.‏

وأما العبد أو الامة فإنه ما استحق في واحد منهما من قليل الاجزاء أو كثيرها فلها رده وأخذ جميع قيمته لضرر الشركة فيه وسواء كان ذلك كله قبل البناء او بعد ومن عمر أرضا بشبهة ينتفي عنه بها الغصب مثل أن يظنها مواتا ولا يظنها لاحد وبنى فيها ثم أتى من يستحقها كان له أخذها معمورة على ان يعطي العامر قيمة عمارته فيها وبنيانه فإن لم يقدر او أبى عن ذلك قيل للعامر او الباني أعطه قيمة أرضه غير معمورة ولا مبنية فإن لم يقدر أو ابى كانا شريكين في الارض والبناء والعمارة على قدر قيمة الارض بغير عمارة او بناء او قيمة العمارة والبناء بغير أرض ومن بنى في ارض قوم بغير اذنهم ثم استحقوها لم يكن لهم اخذها منه الا ان يعطوه قيمة بنيانه منقوضا في الارض فإن شاؤا ذلك وإلا خلطوا بينه وبين نقضه يأخذه ولا يكون له اخذ ما لا منفعه له فيه وليس له أن يردم البئر وله أن يأخذ طيها على ان يضمن ما افسد ومن اشترى دارا ثم استحقت وقد استغلها أو سكنها فليس عليه رد ما استغل منها ولا كراء في سكناها وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج والغلة بالضمان ومن زرع أرضا فاستحقت فالزرع للمزارع وللمستحق كراء الارض فإن كان زرعها ظلما قلع زرعه ان كان في ابان الزراعة وان كان غرسها قلع غرسه ولهما ان يصطلحا فيه وان كان في غير ابان الزراعة فله الكراء وقد قيل انه يقلع زرعه أبدا كل ذلك قد قاله مالك وتحصيل مذهبه ان كل ما زرع بشبهة لم يقلع وفيه الكراء وما كان مغصوبا لا شبهة فيه فيقلع ما زرع وما غرس أبدا ومن اشترى أمة فأولدها ثم استحقها سيدها ففيها عن مالك روايتان احداهما ان السيد يأخذ الأمة وقيمة ولدها من واطئها يوم القضاء بالاستحقاق والرواية الاخرى أنه يأخذ قيمة من واطئها يوم فاتت بالحمل وتكون ام ولد له ولا شيء للسيد من ولدها وقيل يأخذ قيمتها فقط يوم وطئها والاول اصوب وقد قيل انه يأخذ قيمتها اذا استحقها وقيمة ولدها جميعا وهو قول ثالث والاول اصحها واشهرها عند الفقهاء والحكم في الأمة تغر من نفسها بالحرية فيتزوجها رجل على انها حرة ويولدها ثم يستحقها سيدها على حسب ما تقدم في المسألة قبلها على الروايتين جميعا‏.‏

كتاب الاقرار

كل بالغ حر جائز الفعل رشيد فاقراره جائز على نفسه في كل ما يقر به في ماله في صحته وكذلك اقراره على نفسه في بدنه لما يوجب قصاصا أو حدا في مرضه وصحته سواء واقرار المحجور عليه والطفل لكل من أقر له باطل واقرار المسلم للكافر والكافر للمسلم والرجال للنساء والنساء للرجال سواء وكل من اقر لوارث او غير وارث في صحته بشيء من الاموال والديون أو البراءة أو قبض أثمان المبيعات فاقراره جائز عليه لا تلحقه فيه تهمة ولا يظن به توليج والاجنبي في ذلك والوارث سواء وكذلك القريب والبعيد والعدو والصديق في الاقرار في الصحة سواء ولا يحتاج من أقر او أشهد على نفسه في الصحة ببيع شيء او قبض ثمنه الى معاينة قبض الثمن ولا وجه له الا ان يكون المقر له ممن يعرف بالقهر والاكراه والتعدي ويأتي مدعي ذلك بما يعرف به صحة تهمته فليزمه اليمين حينئذ بأنه دفع الثمن ما تشهد به بينته واما اقرار المريض لبعض ورثته في مرضه الذي مات منه فقد اختلف قول مالك في ذلك فمرة قال اقراره نافذ جائز حتى تتبين التهمة فيه بالتوليج وهو محمول على الجواز حتى تصح التهمة فيه بانقطاع او ميل او عداوة سائر الورثة هذا اذا كان ممن يورث كلالة واما من ورثه بنوه فلا تهمة تلحقه لغيرهم فإن أقر لاحد بنيه دون غيرهم اعتبر في ذلك ما ذكرنا مثل ان يقر للعاق دون البار فيجوز اقراره ولو أقر للبار لم يجز ومرة قال اقرار المريض لوارثه في مرضه الذي مات فيه محمول على الوصية لا يجوز الا لمن لا يتهم فيه او لمن يظهر له ما يدفع التهمة عنه مثل ان يقيم بينة انه كان يتقاضاه يطلبه في حياته وصحته بما اقر له به في مرضه ونحو ذلك فإن قامت بينة له بذلك قضي له به والا فاقرار المريض للوارث مردود اذا لم تؤمن صحته والاول أصح عندي واقرار المريض لغير الوارث ومن لا يتهم عليه كاقرار الصحيح ولو اقر لامرأته بدين في مرضه ثم صح فقال اردت باقراري ذلك التوليج لم يقبل قوله ولزمه اقراره‏.‏

وكذلك كل من أقر بدين في مرضه لمن يتهم عليه أو لا يتهم عليه ثم صح لزمه إذا أنكره وإن مات بعد صحته أخذ من رأس ماله ومن أقر لوارثه في مرضه ثم ولد له قبل موته من يحجبه عن الميراث صح إقراره فإن مات الولد وعاد وارثا فإقراره لازم له لأن الإقرار كالدين إذا ثبت مرة لم يبطل إلا بالخروج منه والإقرار للوارث ينبغي أن يكون موقوفا لا يقضي ببطلانه ولا بصحته حتى ينظر هل يصح أو يبطل ولو أقر المريض لزوجته بصداق لم ينفعها ذلك إذا ورثتهكلالة أو كان بها صبا إلا أن يتبين انقطاعه عنها أو انحرافه إلى غيرها ولم يتهم فيها فإن كان ذلك جاز إقراره لها ومتى كان للميت ولد منها أو من غيرها نفذ إقراره لها بمهرها وبغير مهرها ولم يتهم مع الولد باتوليج لها وكذلك لو أقرت المريضة بقبض صداقها من زوجها لم يجز إقرارها لأنها تتهم أن يكون ذلك وصية له منها فإن لم تتهم في ذلك لأولادها منه أو من غيره جاز إقرارها وإقرار المريض الذي يورث كلالة للصديق الملاطف بدين غير جائز لا في رأس مال المقر ولا في ثلثه وقد قال إن ذلك جائز له في ثلثه كالوصايا فإن ورثه بنوه جاز إقراره على كل حال ومن أقر لغيره بشيء كان ذلك متصلا بالإقرار ومنفصلا عنه وفيها اختلاف كثير ولو أقر بوديعة لرجل وادعى أنه دفعها إليه كان مصدقا ولو أقر بدين إلى أجل كان القول قوله إلا أن يأتي بمستنكر من الأجل وقد قال إن القول قول المقر له أن قال أنه حال ويحلف والأول أصح لأنه لو شاء لم يقر ولا فرق عند مالك بين قول المقر أعطيتني أو أخذت منك ولو أقر بسرقة شيء يجب فيه القطع من ملك رجل وأننكر رب الشيء المسروق أن يكون له لزمه عند مالك قيمته والقطع بسرقته فإن شاء رب السرقة أخذها وإن شاء تركها ولو أقر لرجل بمال قراضا أو وديعة وقال قد تلفت وقال ربه بل كان قرضا وهو عليك كان القول قول رب المال المقر له هذا تحصيل مذهب مالك ومن أصحابه جماعة يرون القول في هذا قول المقر مع يمينه وهو الأقيس إذا وصل قوله وقد تلف بإقراره ولو أقر أنه غصب كيسا فيه ألف درهم وادعى ربه أن فيه ألفين فالقول قول المقر هذا تحصيل المذهب‏.‏

ولو قال ربها غصبتها وقال المقر بل أودعتنيها فالقول قوله مع يمينه ومن أقر بعدد واستثنى منه في نفس كلامه قبل استثناؤه إن كان معروفا فيما يستعمل من كلام الناس وإن كان المقر عربيا أو بصيرا بلسان العربحمل على ما يجوز في اللسان ولو أقر رجل بالعبودية لغير من هو في يده لم يصدق في ذلك ومن أقر لرجل بسكنى دار وأن له عنده الكراء فليس ذلك مما يثبت له الملك إن طلبه حتى تشهد له بينة على أصل مكله ومن أقر في أمة هي بيده أنها ولدت من بائعها عتقت عليه كما لو ابتاع عبدا وأقر أن بائعه كان قد أعتقه ولو أقر رجل وعليه دين بأن أمته ولدت منه ولا يعرف ذلك إلا من قوله لم يصدق على ذلك فإن أدى الدين كانت أم ولده ومن أقر بأخ وأنكره أخوه أو أخوته لم يأخذ من نصيب من جحد شيئا ولم يثبت نسبه ولزم المقر به في نصيبه مقدار ما كان نصيبه لو أقر سائر الورثة ومن أقر بدين على ابنه حلف المقر له مع إقراره إن كان عدلا واستحق حقه وإن لم كين عدلا أو كانالقاضي لا يقضي باليمين مع الشاهد لزمه مقدار حصته من الدين ولو أقرت له بدين على زوجها لزمها من الدين بمقدار ما كان يجب عليها لو اعترف جميع الورثة وكذلك من أقر بوصية ومن أقر في مال في يده أنه قراض وقال ربه أنه وديعة كان القول قول المقر لأنه لو لم يقر ما لزمه غير اليمين وفيها قول آخر لمالك وأصحابه أيضا أن القول قول رب المال أنه وديعة وفيها قول ثالث أنهم أيضا قالوا إن علم أن المقر حركه واشترى به وشرع في ذلك فالقول قول ربه لأنه لا يعمل فيه مودعا وأن لم يحركه فالقول قول المقر‏.‏

ولو أقر أحد الورثة بعتق عبد من الميراث وقال إن الميت أعتقه وأبى سائر الورثة من تصديقه وجب عليهم أن يبيعوا العبد فإذا حصل بيد المقر نصيبه من ثمنه اشترى به رقبة فأعتقها فإن لم تبلغ ذلك فنصف رقبة فإن لم يكن أعان به في آخر نجوم مكاتب ولو كانوا جماعة عبيد فأقر بعض الورثة على الميت أنه أعتق واحدا منم بعنيه لم يحلف ذلك العبد مع تلك الورثة ويستحق العتق لأن العتق لا يستحق بيمين وشاهد ولا بد فيه من شاهدين فإن اقتسموا العبيد فوقع المقر يعتقه منهم في حصة المقر أعتق عليه ومن أقر لرجل بعشرة دنانير ناقصة وزعم المقر له أنها لست بناقصة فالقول قول المقر مع يمينه ومن أقر لامرأته بدين من سلف أو مهر وقال قد قضيتك لم يقبل قوله إلا ببينة وليس ذلك كمثل ما يبيع لها ويشتري ويقبض فذلك وكالة منها له ليس في ذلك لها إلا يمينه ومن قال عند الموت لفلان عندي عشرة دنانير ولي عليه خمسة فأنكر المقر له بالعشرة أن يكون له عليه خمسة قضي له بالعشرة وعلى الورثة البينة الخمسة وهذا خلاف من أوصى لرجل بعشرة دنانير من ماله وقال لي عليه خمسة فأنكرالموصى له الخمسة فهذا لا يقضي له إلا بالخمسة لأنه حيقن قال لي عليه مسة فلم يوص له إلا بالخمسة‏.‏

وروى عيسى عن ابن القاسم في رجل أتى مجلس قوم فقال أشهدكم أن لي على فلان كذا وكذا دينارا وفلان ذلك مع القوم جالس في ذلك المجلس فسكت ولم يقل نعم ولا لا ولا سأله الشهود عن شيسء فلما قام يطلبه انكره قال ابن القاسم ذلك لازم له إذا سكت ولم يقل لا وقال غيره لا يلزمه إلا أن يقول نعم ومن أتى قوما فقال أشهدكم أني قبضت من فلان المائة دينار التي كانت لي عليه ولا شيء لي قبله منها فلقي الشهة ود ذلك الرجل فقالوا قد أشهدنا فلان أنه قبض منك المائة دينار التي زعم أنها كانت له عليك فقال كذب ما كان له علي شيء وإنما أسلفته المائة دينار التي ذكر فقال ابن القاسم والمخزومي القول قول الذي زعم أنه أسلفه مع يمينه إن لم تقم للآخر بينة وقال غيرهما القول قول المقر بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏